الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قلت لم يقل ذلك حرصًا على طلب الدنيا ولا نفاسة بها ولكن كان قصده في ذلك أن لا يسلط عليه الشيطان مرة أخرى وهذا على قول من قال إن الشيطان استولى على ملكه.وقيل سأل ذلك ليكون علمًا وآية لنبوته ومعجزة دالة على رسالته ودلالة على قبول توبته حيث أجاب الله تعالى دعاءه وردَّ ملكه إليه وزاده فيه وقيل كان سليمان ملكًا ولكنه أحب أن يخص بخاصية كما خص داود بإلانة الحديد وعيسى بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص فسأل شيئًا يختص به كما روى في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال «إن عفريتًا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان: {رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي} فرددته خاسئًا».{فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء} أي لينة ليست بعاصفة {حيث أصاب} أي حيث أراد {والشياطين} أي وسخرنا له الشياطين {كل بناء} أي يبنون له ما يشاء {وغواص} يعني يستخرجون له اللالىء من البحر وهو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر {وآخرين} أي وسخرنا له آخرين وهم مردة الشياطين {مقرنين في الأصفاد} أي مشدودين في القيود سخروا له حتى قرنهم في الًاصفاد {هذا عطاؤنا} أي قلنا له هذا عطاؤنا {فامنن} أي أحسن إلى من شئت {أو أمسك} أي عمن شئت {بغير حساب} أي لا حرج عليك فيما أعطيت ولا فيما أمسكت قال الحسن: ما أنعم الله تعالى على أحد نعمة إلا عليه تبعة إلا سليمان فإنه إن أعطى أجر وإن لم يعط لم تكن عليه تبعة وقيل هذا في أمر الشياطين يعني هؤلاء الشياطين عطاؤنا فامنن على من شئت منهم فخل عنه وأمسك أي احبس من شئت منهم في العمل وقيل في الوثاق لا تبعة عليك فيما تتعاطاه {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} لما ذكر الله تعالى ما أنعم به عليه في الدنيا أتبعه بما أنعم به عليه في الآخرة.قوله: {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب} أي بمشقة {وعذاب} أي ضر وذلك في المال والجسد وقد تقدمت قصة أيوب {اركض} يعني أنه لما انقضت مدة ابتلائه قيل له اركض أي اضرب {برجلك} يعني الأرض ففعل فنبعت عين ماء عذب {هذا مغتسل بارد} أمره الله تعالى أن يغتسل منه ففعل فذهب كل داء كان بظاهره ثم مشى أربعين خطوة فركض برجله الأرض مرة أخرى فنبعت عين ماء عذب أخرى فشرب منه فذهب كل داء كان في باطنه فذلك قوله: {وشراب}.{ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا} أي إنما فعلنا ذلك معه على سبيل التفضل والرحمة لا على اللزوم {وذكرى لأولي الألباب} يعني سلَّطنا البلاء عليه فصبر، ثم أزلناه عنه وكشفنا ضره فشكر فهو موعظة لذوي العقول والبصائر {وخذ بيدك ضغثًا} أي ملء كفك من حشيش أو عيدان أو ريحان {فاضرب به ولا تحنث} وكان قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوط فشكر الله حسن صبرها معه فأفتاه في ضربها وسهل له الأمر وأمره بأن يأخذ ضغثًا يشتمل على مائة عود صغار فيضربها به ضربة واحدة ففعل ولم يحنث في يمينه وهل ذلك لأيوب خاصة أم لا؟ فيه قولان أحدهما أنه عام.وبه قال ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والثاني أنه خاص بأيوب.قاله مجاهد واختلف الفقهاء فيمن حلف أن يضرب عبده مائة سوط فجمعها وضربه بها ضربة واحدة.فقال مالك والليث بن سعيد وأحمد لا يبر.وقال أبو حنيفة والشافعي إذا ضربه ضربة واحدة فأصابه كل سوط على حدة فقد بر واحتجوا بعموم هذه الآية {إنا وجدناه صابرًا} أي على البلاء الذي ابتليناه به {نعم العبد إنه أواب}. اهـ.
.قال ابن جزي: {ص} تكلمنا على حروف الهجاء في البقرة، ويختص بهذا أنه قال فيه: معناه صدق محمد، وقيل: هو حرف من اسم الله الصمد أو صادق الوعد، أو صانع المصنوعات {والقرآن ذِي الذكر} هذا قسم جوابه محذوف تقديره: إن القرآن من عند الله، وإن محمدًا لصادق وشبه ذلك. وقيل: جوابه في قوله: {ص} إذ هو بمعنى صدق محمد، وقيل: جوابه الآتي {إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل} [ص: 14] وهذا بعيد، وقيل: جوابه {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} [ص: 64] وهذا أبعد، ومعنى ذي الذكر: الشرف والذكر بمعنى الموعظة، أو ذكر الله وما يحتاج إليه من الشريعة.{بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} الذين كفروا يعني قريشًا، وبل للإضراب عن كلام محذوف، وهو جواب القسم أي: إن كفرهم ليس ببرهان بل هو بسبب العزة والشقاق، والعزة التكبر، والشقاق: العداوة وقصد المخالفة، وتنكيرهما للدلالة على شدتهما، وتفاخم الكفار فيهما.{كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ} إخبار يتضمن تهديدًا لقريش {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} المعنى أن القرون الذين هلكوا دعوا واستغاثوا حين لم ينفعهم ذلك، ولات بمعنى: ليس وهي لا النافية زيدت عليها علامة التأنيث، كما زيدت في رُبَّتَ وثمة، ولا تدخل لات إلا على زمان، واسمها مضمر، وحين مناص خبرها، والتقدير: ليس الحين الذين دعوا فيه حين مناص، والمناص المفرّ والنجاة من قولك: ناص ينوص إذ فرّ.{وعجبوا أَن جَاءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ} الضمير لقريش، والمنذر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أي استبعدوا أن يبعث الله رسولًا منهم، ويحتمل أن يريد من قبيلتهم، أو يريد من البشر مثلهم {وَقَالَ الكافرون} كان الأصل وقالوا؛ ولكن وضع الظاهر موضع المضمر قصدًا لوصفهم بالكفر {أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِدًا} هذا إنكار منهم للتوحيد، وسبب نزول هذه الآيات أن قريشًا اجتمعوا وقالوا لأبي طالب: كُفَّ ابن أخيك عنا، فإنه يعيب ديننا ويذم آلهتنا ويسفه أحلامنا. فكلمه أبو طالب في ذلك، فقال: صلى الله عليه وسلم: إنما أريد منهم كلمة واحدة يملكون بها العجم، وتدين لهم بها العرب، فقالوا: نعم وعشر كلمات معها. فقال: قولوا لا إله إلا الله، فقاموا وأنكروا ذلك وقالوا: {أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِدًا}.{وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا وَاْصْبِرُواْ} انطلاق الملأ عبارة عن خروجهم عن أبي طالب وقيل: عبارة عن تفرّقهم في طرق مكة وإشاعتهم للكفر، وأن امشوا: معناه يقول بعضهم لبعض: امشوا واصبروا على عبادة آلهتكم، ولا تطيعوا محمدًا فيما يدعو إليه من عبادة الله وحده {إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرَادُ} هذا أيضًا مما حكى الله من كلام قريش، وفي معناه وجهان: أحدهما إن الإشارة إلى الإسلام والتوحيد، أي إن هذا التوحيد شيء يراد به الإنقياد إليه، والآخر أن الإشارة إلى الشرك والصبر على آلهتهم، أي إن هذا التوحيد الشيء ينبغي أن يراد ويتمسك به، أو أن هذا شيء يريده الله منا لما قضى علينا من الأول أرجح، لأن الإشارة فيما بعد إليه فيكون الكلام على نسق واحد.{مَا سَمِعْنَا بهذا في الملة الآخرة} هذا أيضًا مما حكى الله عنهم من كلامهم، أي ما سمعنا بالتوحيد في الملة الآخرة، والمراد بالملة الآخرة ملة النصارى، لأنها بعد ذلك ملة موسى وغيره وهم يقولون بالتثليث لا بالتوحيد، وقيل: المراد ملة قريش أي ما سمعنا بهذا في الملة التي أدركنا عليها آباءنا، وقيل: المراد الملة المنتظرة إذ كانوا يسمعون من الأحبار والكهان أن رسولًا يبعث يكون آخر الأنبياء {إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق} هذا أيضا مما حُكى من كلامهم، والإشارة إلى التوحيد والإسلام، ومعنى الاختلاق الكذب.{أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا} الهمزة للإنكار، والمعنى أنهم أنكروا أن يخص الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بإنزال القرآن عليه دونهم {بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي} هذا ردّ عليهم، والمعنى أنهم ليست لهم حجة ولا برهان، بل هم في شك من معرفة الله وتوحيده، فلذلك كفروا، ويحتمل أن يريد بالذكر القرآن {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} هذا وعيد لهم وتهديد، والمعنى أنهم إنما حملهم على الكفر كونهم لم يذوقوا العذاب، فإذا ذاقوه زال عنهم الشك وأذعنوا للحق.{أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العزيز الوهاب} هذا ردّ عليهم فيما أنكروا من اختصاص محمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة، والمعنى أنهم ليس عندهم خزائن رحمة الله، حتى يعطوا النبوة من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، بل يعطيها الله لمن يشاء، ثم وصف نفسه بالعزيز يفعل ما يشاء والوهاب ينعم على من يشاء فلا حجة لهم فيها أنكروا.{أَمْ لَهُم مُّلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} هذا أيضًا ردّ عليهم، والمعنى: أم لهم الملك فيتصرفون فيه كيف شاؤوا، بل مالك الملك يفعل في ملكه ما يشاء، وأم الأولى منقطعة بمعنى بل وهمزة الإنكار، وأما أم الثانية فيحتمل أن تكون كذلك، أو تكون عطافة معادلة لما قبلها {فَلْيَرْتَقُواْ في الأسباب} هذا تعجيز لهم، وتهكم بهم، ومعنى يرتقوا يصعدوا، والأسباب هنا السلالم الطرق، وشبه ذلك ما يوصل به إلى العلو، وقيل: هي أبواب السماء، والمعنى إن كان لهم ملك السموات والأرض فليصعدوا إلى العرش ويدبروا الملك.{جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الأحزاب} هذا وعيد بهزيمتهم في القتال، وقد هزموا يوم بدر وغيره، و{مَّا هُنَالِكَ} صفة لجند، وفيها معنى التحقير لهم، والإشارة بهنالك إلى حيث وصفوا أنفسهم من الكفر والاستهزاء، وقيل: الإشارة إلى الارتقاء في الأسباب وهذا بعيد؛ وقيل الإشارة إلى موضع بدر، ومن الأحزاب معناه من جملة الأحزاب الذين تعصبوا للباطل فهلكوا.{وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد} قال ابن عباس: كانت له أوتاد وخشب يلعب بها وعليها، وقيل: كانت له أوتاد يسمرها في الناس لقتلهم، وقيل: أراد المباني العظام الثابتة، ورجحه ابن عطية، وقال الزمخشري: إن ذلك استعارة في ثبات الملك كقول القائل: في ظل ملك ثابت الأوتاد {وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ} قد ذكر [الحجر: 78، والشعراء: 176].{وَمَا يَنظُرُ هؤلاءاء إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً} ينظر هنا بمعنى ينتظر، وهؤلاء يعني قريشًا، والصيحة الواحدة النفخة في الصور وهي نفخة الصعق، وقيل: الصحية عبارة عما أصابهم من قتل أو شدة، والأول أظهر، وقد روي تفسيرها بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم {مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} فيه ثلاثة أقوال: الأول مالها رجوع أي لا يرجعون بعدها إلى الدنيا، وهو على هذا مشتق من الإفاقة، الثاني ما لها من ترداد: أي إنما هي واحدة لا ثانية لها: الثالث مالها من تأخير ولا توقف مقدار فواق ناقة وهي ما بين حلبتي اللبن، وهذا القول الثالث إنما يجري على قراءة {فُواق} بالضم لأن فواق الناقة بالضم، والقولان الأولان على الفتح والضم.{وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} القط في اللغة له معنيان: أحدها: الكتاب، والآخر: النصيب، وفي معناه هنا ثلاثة أقوال: أحدهما نصيبنا من الخير: أي دعو أن يعجله الله لهم في الدنيا والآخر: نصيبهم من العذاب، فهو كقولهم: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السماء} [الأنفال: 32]. الثالث: صحائف أعمالنا.{اصبر على مَا يَقُولُونَ واذكر عَبْدَنَا داود ذَا الأيد إِنَّهُ أَوَّابٌ} الأيد القوة، وكان داود جمع قوة البدن وقوة الدين والملك والجنود، والأواب: الرجاع إلى الله، فإن قيل: ما المناسبة بين أمر الله لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر على أقوال الكفار وبين أمره له بذكر داود؟ فالجواب عندي أن ذكر داود ومن بعده من الآنبياء في هذه السورة فيه تسلية للنبي صلى لله عليه وسلم، وووعد له بالنصر وتفريج الكرب، وإعانة له على ما أمر به من الصبر، وذلك أن الله ذكر ما أنعم به على داود من تسخير الطير والجبال، وشدّة ملكه، وإعطائه الحكمة وفصل الخطاب، ثم الخاتمة له في الآخرة بالزلفى وحسن المآب، فكأنه يقول: يا محمد كما أنعمنا على داود بهذه النعمم كذلك ننعم عليك، فاصبر ولا تحزن على ما يقولون، ثم ذكر ما أعطى سليمان من الملك العظيم، وتسخير الريح والجن والخاتمة بالزلفى وحسن المآب، ثم ذكر من ذكر بعد ذلك من الأنبياء. والمقصد: ذكر الإنعام عليهم لتقوية قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضًا فإن داود وسليمان وأيوب أصابتهم شدائد ثم فرّجها الله عنهم، وأعقبها بالخير العظيم، فأمر سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم بذكرهم، ليعلمه أنه يفرج عنه ما يلقى من إذاية قومه، ويعقبها بالنصر والظهور عليهم، فالمناسبة في ذلك ظاهرة وقال ابن عطية: المعنى: اذكر داود ذا الأيدي في الدين فتأسَّ به وتأيد كما تأيد، وأجاب الزمخشري: عن السؤال فإنه قال: كأن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: اصبر على ما يقولون، وعظم أمر المعصية في أعين الكفار بذكر قصة داود، وذلك أنه نبي كريم عند الله ثم زلَّ زلة فوبخه الله عليها فاستغفر وأناب، فما الظن بكم مع كفركم ومعاصيكم؛ وهذا الجواب لا يخفى ما فيه من سوء الأدب مع داود عليه السلام حيث جعله مثالًا يهدد الله به الكفار، وصرح بأنه زل وأن الله وبخه على زلته، ومعاد الله من ذكر الأنبياء بمثل هذا {والإشراق} يعني: وقت الإشراق وهو حين تشرق الشمس، وأي تضيء ويصفر شعاعها وهو وقت الضحى، وأما شروقها فطلوعها.{مَحْشُورَةً} أي مجموعمة {كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ} أي كل مسبح لأجل تسبيح داود، ويحتمل أن يكون أوّاب هنا بمعنى رجاع أي ليرجع ألى مره.{وَآتَيْنَاهُ الحكمة} قيل: يعني النبوة، وقيل: العلم والفهم وقيل: الزبور {وَفَصْلَ الخطاب} قال ابن عباس: هو فصل القضاء بين الناس بالحق، وقال عليّ بن أبي طالب: هو إيجاب اليمين على المدعى عليه، والبينة على المدعى، وقيل: أراد قول: أما بعد فإنه أول من قالها، وقال الزمخشري: معنى فصل الخطاب: البيّن من الكلام الذي يفهمه من يخاطب به، وهذا المعنى اختاره ابن عطية، وجعله من قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق: 13].{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخصم إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب} جاءت هذه القصة بلفظ الاستفهام؛ تنبيهًا للمخاطب ودلالة على أنها من الأخبار العجيبة، التي ينبغي أن يلقى البال لها، والخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة، كقولك: عدل وزور، واتفق الناس على أن هؤلاء الخصم كانوا ملائكة، ورُوي أنهما جبريل وميكائيل بعثهما الله، ليضرب بهما المثل لداود في نازلة وقع هو في مثلها، فأفتى بفتيا هي واقعة عليه في نازلته، ولما شعر وفهم المراد أناب واستغفر، وسنذكر القصة بعد هذا، ومعنى تسوّروا المحراب علَوْا على سوره ودخلوه، والمحراب: الموضع الأرفع من القصر أو المسجد وهو موضع التعبد، ويحتمل أن يكون المتسوّر المحراب اثنين فقط، لأن نفس الخصومة إنما كانت بين اثنين فقط، فتجيء الضمائر في تسّوروا، ودخلوا، وفزع منهم: على وجه التجوز، والعبارة عن الاثنين بلفظ الجماعة، وذلك جائز على مذهب من يرى أن أقل الجمع اثنان، ويحتمل أنه جامع كل واحد من الخصمين جماعة فيقع على تجميعهم خصم، وتجيء الضمائر المجموعة حقيقة، وعلى هذا عوَّل الزمخشري.{إِذْ دَخَلُواْ على داود فَفَزِعَ مِنْهُمْ} العامل في إذْ هنا تسوروا، وقيل: هي بدل من الأولى، وأما إذ الأولى فعامل فيها أتاك أو تسوروا وردَّ الزمخشري ذلك، وقال: إن العامل فيها محذوف تقديره: هل أتاك نبأ تحكم الخصم إذ تسوروا، وإنما فزع داود منهم لأنهم دخلوا عليه بغير إذن، ودخلوا من غير الباب، وقيل: إن ذلك كان ليلًا {خَصْمَانِ بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ} تقديره نحن خصمان، ومعنى بغى تعدى {وَلاَ تُشْطِطْ} أي لا تَجُرْ علينا في الحكم، يقال: أشط الحاكم إذا جار، وقرئ في الشاذ: لا تشطط بفتح التاء: أي لا تبعد عن الحق، يقال: شط إذا بَعُد {سَوَاءِ الصراط} أي وسط الطريق، ويعني القصد والحق الواضح.
|